- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم صلِ وسلم ، وزد وبارك على سيدنا محمد الصادق الأمين ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين .
بتحية الإسلام الجميلة نحييكم مستمعينا أينما كنتم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً وسهلاً بكم معنا . دكتورنا الكريم ، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم ، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
حديثنا عن فلسفة الموت لهذا اليوم ، ونبدأ مع فضيلتكم بالحديث عن المقصود بالموت ، ما هو دكتور ؟
الدين كله مجموع بأربع نقاط هي أركان الدين الكبرى :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المقولة الأولى : كل مخلوق يموت ، ولا يبقَ إلا ذو العزة والجبروت ، والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر ، والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر ، وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول ، فإذا حملت إلى القبور جنازة ، فاعلم بأنك بعدها محمول"
الحقيقة الدقيقة والصارخة والخطيرة؛ أن تعريف الإمام الحسن البصري للإنسان في ضوء الموت : الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه .
إذاً هو زمن ، أو رأس ماله هو الزمن ، أو أثمن شيء يملكه هو الزمن ، ولأنه زمن أقسم الله له بمطلق الزمن ، قال له :
﴿ وَالْعَصْرِ﴾
والشيء المخيف أن جواب القسم :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
يا رب لِمَ الخسارة ؟ قال بعضهم : لأن مضي الزمن يستهلكه فقط ، قبل أن نقول مؤمن أو كافر ، أسبوع ، اثنين ، ثلاثة ، أربعة ، انقضى شهر ، أربعة أشهر انقضى فصل ، أربعة فصول سنة ، عشر سنوات عقد ، حياته عقدين أو ثلاثة فهو زمن .
هذا الزمن إما أن ينفق إنفاقاً استهلاكياً كشأن أهل الأرض الآن ، يأكل ، ويشرب ، ويسهر ، ويسمر ، ويتابع الأخبار ، ثم يفاجأ بالموت ، إنفاق إستهلاكي ، لكن البطولة والذكاء والتفوق والنجاح والفلاح أن تفعل في الزمن الذي سينقضي عملاً ينفعك بعد انقضاء الزمن ، في الزمن الذي سينقضي ، مثلاً أنا في حياتني الدنيا المحدودة بسنوات معدودة ، أتعرف إلى الله ، من خلال آياته الكونية ، والتكوينية ، والقرآنية ، ثم اضبط حركتي وفق منهج الله ، ثم أتقرب إلى الله بالعمل الصالح ، ثم اتصل به ، هذا الدين كله مجموع بأربع نقاط ، عقيدة ، استقامة ، عمل صالح ، اتصال ، كتل كبرى في الدين ، كليات الدين ، أركان الدين الكبرى .
فالإنسان عندما فهم على الله حكمة الخلق ، فهم حقيقة الحياة الدنيا أنها ماضية ، فهم حقيقة البرزخ ، حقيقة الجنة ، حقيقة النار ، حقيقة الإنسان لِمَ خُلق ؟ لِمَ كان مكرماً عند الله؟ لِمَ كان قد مُنح الأمانة ؟ هذه أشياء كبيرة جداً بحياتنا ، هذا كلام يقودني إلى أن أقول : ما كل ذكي بعاقل ، كأن الذكاء متعلق بالجزئيات . فقد يحمل إنسان ما دكتوراه في الفيزياء النووية، يمكن أعلى اختصاص في الأرض وهو عند الله ليس بعاقل ، لأنه ما عرف آخرته ، ولا سر وجوده ، ولا غاية وجوده ، متى تكشف الحقيقة ؟ عند الموت ، أكفر كفار الأرض الذي قال :
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
والذي قال :
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
عند الموت قال :
﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
المذيع :
لماذا دكتور عند الموت ؟
حقيقة الموت :
الدكتور راتب :
لأن الموت أنهى الدنيا ، أنهى الشهوات ، أنهى المناصب ، أنهى الطعام ، أنهى الشراب ، أنهى الوسامة ، أنهى العلاقة مع النساء ، هذا كله انتهى .
المذيع :
هل يستقيم التفكير عند الموت دكتور ؟
الدكتور راتب :
طبعاً :
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾
النفس بحسب الآية لا تموت ، لكن تذوق الموت ، ما الموت ؟ انفصال الجسم عن النفس بعد توقف الإمداد الإلهي وهو الروح . يوجد في الإنسان ثلاثة أشياء : له جسم وعاؤه الخارجي كأنه ثوب ، له ذات هي نفسه هي المخاطبة ، هي المعاتبة ، هي المكلفة ، هي المحاسبة ، هي الراقية ، هي الساقطة ، هي نفسه ذاته ، القرآن عبر عنها :
﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ ﴾
أو :
﴿ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾
إما يأتي عنها كناية :
﴿ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾
أو :
﴿ النَّفْسُ ﴾
المذيع :
لأنها بين الصدور ، هل هي شيء ملموس دكتور أم شيء معنوي ؟
الفرق بين الروح و النفس :
الدكتور راتب :
لا .
المذيع :
شيء معلوم ، إذاً ثلاثة أقسام للإنسان : جسده ، ونفسه .
الدكتور راتب :
الجسد وعاء ، والنفس ذاته ، الروح ، كلام دقيق جداً .
الكبد مثلاً ، نحن إذا ذبحنا نعجة أو خروفاً نأكل كبدها ، الكبد يقوم بخمسة آلاف وظيفة ، ما دام فيه روح له خمسة آلاف وظيفة ، ما دام انقطعت الروح يصبح لا قيمة له .
المذيع :
دكتور ، ما الفرق بين الروح وبين النفس ؟
الدكتور راتب :
بالضبط تماماً ، مثلاً إذا كان جهاز كهربائي غالي جداً يعمل على الكهرباء ، الروح هي الكهرباء ، أنت لو قطعت الكهرباء بالمفتاح أغلقت وصول التيار للمصباح ، التغى المصباح هذا الموت .
المذيع :
إذاً الروح ؟
الدكتور راتب :
قطع الإمداد الإلهي .
المذيع :
والنفس ؟
الدكتور راتب :
النفس لا تتغير ، خالدة .
المذيع :
النفس هي أنت .
الدكتور راتب :
نعم ، أنت أنت ، من هو فلان ؟ فلان مؤمن نفسه مؤمنة ، كافر نفسه كافرة ، أنيق نفسه أنيقة ، يحب الخير ، ذات الإنسان .
المذيع :
والروح هي الإمداد الإلهي لتبقى على قيد الحياة .
الفرق بين القتل والموت :
الدكتور راتب :
بالضبط إمداد إلهي كالكهرباء في المذياع .
المذيع :
والجسد هو الوعاء الخارجي ؟
الدكتور راتب :
كالبنزين في السيارة .
المذيع :
الذي صور به الله عز وجل جسد البشر ، عند الموت دكتور مالذي يموت من هذه الأشياء الثلاثة ؟
الدكتور راتب :
ينفصل الجسد عن النفس ، حينما ينقطع الإمداد عن طريق الروح . مثلاً عندي سيارة تمشي فيها بنزين ، أو سيارة كهربائية تمشي بالكهرباء ، قطعنا التيار وقفت . الموت قطع الإمداد الإلهي لهذا الإنسان ، وقف ، يوجد مصطلحات متداخلة مع بعضها ، أما الكلام الدقيق العلمي : الروح إمداد الله لهذا الإنسان ، إمداد وظائف أعضائه ، إمداد دماغه ، إمداد معدته ، إمداد الأمعاء ، إمداد العضلات ، مادام يوجد إمداد إلهي معنى ذلك يوجد حياة ، يوجد حركة .
لو أتينا بإنسان وهو على ميزان دقيق بميلي الغرام مات ، لا ينقص ولا ميلي غرام الإمداد الذي فيه حتى يشغل الأجهزة توقف .
ما هو القتل ؟ مصباح كهربائي كسرناه بالمطرقة ، عطلنا إمكانية إستقبال الطاقة هذا القتل . ما هو الموت ؟ أغلقنا المفتاح ، إن قطعت الإمداد عن هذا الإنسان هذا الموت ، إن عطلت الإنسان بضربه على دماغه عطلت استقبال الروح ، هذا القتل .
المذيع :
هذا يؤدي إلى الموت بالنهاية ، للتأكد أنني أفهم على فضيلتكم لأن الفكرة جديدة وحساسة دكتور ، لو اعتبرنا أن المثال الذي ذكرته شيخنا الجهاز الكهربائي ، هذا الجهاز القطع الحديدية أو البلاستيكية فيه كجسد الإنسان .
النفوس خلقت قبل الجسد في عالم الأزل :
الدكتور راتب :
الجسد نعم .
المذيع :
والتيار الكهربائي الروح .
الدكتور راتب :
لا ، الجهاز له بطاريات ، له لمبات ، له أشياء ، الغلاف هو الجسد ، أما الجهاز نفسه هو النفس ، إمدادها بالطاقة هي الروح .
المذيع :
والنفس هي التي تتحدد على أية موجة عبر هذا الجهاز ، فإذاً النفس هي الذات التي تتخذ القرارات .
الدكتور راتب :
هي ذات الإنسان .
المذيع :
وهي لا تموت مع الموت دكتور .
الدكتور راتب :
أبداً .
﴿ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾
تذوق الموت شيء ، والموت شيء آخر .
المذيع :
خلقت هذه النفس دكتور مع الجسد ، أم خلقت قبله ؟
الدكتور راتب :
لا ، خلقت قبله ، في عالم الأزل .
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
النفوس خلقت في عالم الأزل .
المذيع :
ما هو عالم الأزل دكتور ؟
الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي قبِل حمل الأمانة فكان المخلوق الأول :
الدكتور راتب :
عالم الخلق الأول ، نحن في الخلق الثاني .
المذيع :
قبل الحياة البشرية على الأرض ؟
الدكتور راتب :
نحن في عالم الصور ، قبل عالم الصور كنا في عالم النفوس ، نفوس فقط ، هذا الخشب نفس ، ما دليلها ؟
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ ﴾
حتى الخشب .
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾
فأنا أقول : أي مادة تقع عينك عليها نفوس ، البحصة؛ كل ذرة فيها نفس ، خلقت للسعادة ، اعتذرت عن حمل الأمانة ، فكان الاعتذار ، كان جماد ، نبات ، حيوان ، ما سوى الإنسان ، الإنسان قبل حمل الأمانة ، فلما قبل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبة .
المذيع :
إذاً النفس موجود دكتور منذ زمن بعيد .
الدكتور راتب :
من عالم الأزل ، أو عالم الأنفس ، والدليل القرآني :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾
والسماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون ، والكون ما سوى الله .
﴿ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
المذيع :
ثم بثت الروح بأمر الله عز وجل ونفخت .
النفوس لا تفنى أبداً خالدة تذوق الموت ولا تموت :
الدكتور راتب :
ونفخ في هذه النفس الروح ، ما كان هناك جسد ، بعد أربعين يوماً تبث الروح في الجسد .
المذيع :
سبحان الله ، وحينما يموت الإنسان هذا الجسد يموت ويتلاشى .
الدكتور راتب :
ينقطع الإمداد .
المذيع :
أي تنقطع الروح .
المذيع :
الجسد وبالتالي يتلاشى .
الدكتور راتب :
يفنى وتبقى النفس .
المذيع :
وتبقى النفس إلى يوم القيامة .
الدكتور راتب :
﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾
النفوس لا تفنى أبداً ، خالدة ، تذوق الموت ولا تموت .
المذيع :
دكتور ، لنوضح أكثر هذه الفكرة ، وأتتنا الإجابة الوافية من فضيلتكم ، حينما يموت الإنسان ويكون هناك نعيم أو عذاب في القبر فهل هو الجسد أم هي الروح ؟
الدكتور راتب :
النفس .
المذيع :
دكتور ، وضحت لنا أقسام الجسد الثلاثة ، ونقطة تشغل بال كثير من الناس ، حينما يموت الإنسان ، وأوضحت لنا أن الروح وهي المدد الإلهي ينقطع ، والجسد يتلاشى ويفنى، إلا ما حفظه الله كالأنبياء والشهداء ، والنفس تبقى لا تموت ، ما الذي يحصل بهذه النفس دكتور ، عادة الناس بعد الموت تدفن ، ماذا يحصل بالنفس ؟
النفس عالم قائم بذاته هي ذات الإنسان :
الدكتور راتب :
النفس في الدنيا ضمن الجسم ، النفس ترى من العينين ، تسمع من الأذنين ، تتحسس البرد والحر من الجلد ، فهي علاقتها بالعالم الخارجي الحواس الخمس ، أما حينما يموت الإنسان توقف الإمداد الإلهي لهذا الجسم ، وليس النفس لهذا الجسم ، مات الجسم ، النفس إلى الله ، إلى أعلى عليين إن كانت مؤمنة أو إلى أسفل سافلين إن كانت سافرة .
المذيع :
والنفس تبقى بعد الوفاة دكتور ، تحاسب ؟
الدكتور راتب :
طبعاً .
المذيع :
تشعر بالألم أو تشعر بالنعيم ؟
الدكتور راتب :
عندما طالب يتلقى كلمة قاسية من أستاذه ، لِمَ يتألم ؟ الجلد ما فيه شي ، والعظام ما فيها شي ، ألم نفس .
المذيع :
نقول ألم نفسي .
الدكتور راتب :
لكن هي كآبة ، مثلاً هذا الحزن ، النفس عالم قائم بذاته ، النفس هي ذات الإنسان، هي المكلفة ، هي المؤمنة ، هي الكافرة ، هي المنافقة ، هي المحاسبة ، هي المعاقبة.
المذيع :
إذاً هي التي تحاسب دكتورنا الكريم بعد الموت ؟
الدكتور راتب :
أبداً ، هي النفس فقط .
المذيع :
القبر إما روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران ، هذه النفس التي تنعم أو تعذب ، الجسد انتهى ما عاد فيه إحساس بانقطاع الروح .
الموت يُخلق خلقاً :
الدكتور راتب :
الجسد كان يتلقى دعماً من الروح ، انقطع عن الدعم .
المذيع :
أصبحت النفس التي تشعر .
المذيع :
وأغلب الظن يفنى الإنسان إلا الأنبياء والصديقين .
المذيع :
سبحان الله رب العالمين . إذاً دكتور ، لو أنا قرأت مع فضيلتك قول الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة من سورة الملك :
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾
الدكتور راتب :
ليبلو نفوسكم .
﴿ أَيُّكُمْ ﴾
من هو المخاطب ؟ النفس .
﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴾
المخاطب هي النفس ، هي ذات الإنسان ، هي التي تشعر ، هي التي تؤمن ، هي تكفر ، هي تنافق ، هي تسمو ، هي تسقط .
المذيع :
لماذا كانت الآية الكريمة تقول :
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ﴾
خلق الموت .
الدكتور راتب :
أحدث بحوث للموت أنه يخلق خلقاً .
المذيع :
نوضحها دكتور .
الموت عرس المؤمن :
الدكتور راتب :
الخلايا تمنو ، ما دامت تنمو لا يوجد موت ، تدخل الخلايا مرحلة الشيخوخة ، يقف نموها ، عندما توقف نموها بدأنا بالموت ، طبعاً الموت يأتي تدريجياً .
المذيع :
المقصود فيها أن الموت يخلق داخل جسم الإنسان ؟
الدكتور راتب :
نعم ، الموت؛ موت الخلايا في الجسم .
المذيع :
عندما يكون الموت غير مرتبط بموت الخلايا ، مثلاً كالقتل ، الإنسان معافىً في شبابه ؟
الدكتور راتب :
هذا القتل بالضبط مصباح كهربائي ، عنده إمكانية يتلقى التيار الهربائي ، ويتألق إمكانية المصباح بتلقي الكهرباء تعطلت ، أنت كسرت المصباح بمطرقة ، كسرته ، عطلت فيه القدرة على إستقبال الطاقة ، هذا القتل .
الموت؛ الطاقة انقطعت ، هنا يوجد مصباح ، فيه مفتاح إذا ضغط على المفتاح فانطفأ المصباح هذا الموت . أما القتل؛ تحطيم المصباح بمطرقة .
المذيع :
لماذا يحذر الإنسان من الموت كثيراً دكتور ؟ حتى في القرآن ذكرت :
﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴾
فالإنسان يخشى ويحذر الموت لمَ ؟
الدكتور راتب :
الذي يعيش بشهواته الموت عنده مزعج جداً ، الذي يعيش بقيمه ومبادئه هذا إنسان حي ، الموت عرس المؤمن ، الموت تحفة المؤمن .
مثل للتقريب : إنسان فقير جداً ، وذكي جداً ، باعت خالاته وعماته أساورهم لكي يشتري بطاقة سفر لأمريكا ، دخل إلى الجامعة ، هذا الإنسان قبل الظهر في الجامعة ، بعد الظهر في مطعم ينظف صحون ، حتى يأكل ، وفي الليل يدرس ، سبع سنوات قبل الظهر دوام بالجامعة ، بعد الظهر عمل بالمطعم حتى يأكل ، وفي الليل ينام ، أخذ الدكتوراه بتميز ، ودولته بحاجة لوزير صحة معه هذه الدكتوراه ، الآن هو عندما وضع قدمه في الطائرة سيكون وزيراً في بلده ، سيصبح عنده حوالي خمس سيارات ، بيت بالعاصمة ، بيت على البحر ، بيت في الجبل، مكانة اجتماعية ، أناقة ، طعام درجة أولى ، هذا كله بعدما أخذ الدكتوراه .
ما هو الموت ؟ عندما وضع هذا الإنسان قدمه في الطائرة الذي سوف تقله إلى بلده ليكون وزيراً ، بالمفهوم المعاصر ، عدة بيوت ، ومكانة اجتماعية ، ودخل كبير .
المذيع :
لكن لم يصل بعد إلى هذا النعيم .
الخسارة الحقيقية والربح الحقيقي في الآخرة :
الدكتور راتب :
ما وصل ، الموت هنا ، عندما الإنسان يستقيم طول حياته ، يغض بصره ، يضبط لسانه ، دخله حلال ، إنفاقه حلال ، بيته إسلامي ، عمله إسلامي ، ربى أولاده ، ربى بناته ، سار مع الحق ، هذا الانضباط ثمنه الجنة .
﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
المذيع :
دكتور اسمح لي ، الواقع يقول كما تفضلت وقلت شيخنا : أن الموت هو شيء يتمناه المؤمن ، وهو ثمرة ، لا يتمنى أحد الموت ، لا مؤمن ولا كافر ، ولا متدين ولا عاصي ، الناس جميعها تخشى الموت .
الدكتور راتب :
هناك تعديل دقيق جداً : وقع الموت على المؤمن أقل بمليون مرة من وقعه على غير المؤمن ، إذا اعتبرت له تعبير سلبي ، هذه السلبية على المؤمن أقل بمليون جزء من وقعه على غير المؤمن ، ما الموت لغير المؤمن ؟ انتهى كل شيء عنده ، انتهت الشهوات ، انتهت المكانة ، كل شيء انتهى ، المؤمن بدأ العطاء الحقيقي له ، الموت يفتح له باب للجنة ، لذلك ورد بالآثار : المؤمن قبل أن يموت يرى مقامه في الجنة ، فيقول لم أرَ شراً قط .
المذيع :
متى يكون هذا دكتور عند منازعة الموت ؟
الدكتور راتب :
بالنزع بالضبط ، والآخر يقول : لم أرَ خيراً قط ، قد يكون مليارديراً ، له جزيرة خاصة ، وعنده طائرة خاصة ، وكل يوم بمكان ، وكل يوم بمكان آخر ، يقول لك : لم أرَ خيراً قط ، الدنيا محدودة سيدي .
مضطر أن أقول هالمثل : نسبة الدنيا للآخرة ، واحد وثلاثة أصفار أمامه ، الثانية ألف وثلاثة مليون ، الثالثة ألف مليون ، الرابعة مليون مليون ، الخامسة ألف مليون مليون الأصفار من الأرض للشمس ، وكل ميلي صفر ، ما هذا الرقم ؟ مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، وكل ميلي صفر ، هذا الرقم لمجرد أن ينسب للانهاية قيمته صفر ، الله خلق الإنسان للأبد .
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ﴾
من أجل عشر سنوات ، معاصي عشر سنوات مع كآبة ، مع عذاب نفسي ، ومع قهر ، ومع مرض ، ومع مليون مشكلة ، اذهب إلى الجنة .
﴿ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾
هذه الخسارة الحقيقية ، فقط للآخرة .
المذيع :
إذاً قبل أن يموت الإنسان هو يرى نتيجة عمله ، عند لحظات الموت ؟
شاءت حكمة الله أن نأتي الدنيا تباعاً وأن نغادرها تباعاً ليتعظ بعضنا ببعض :
الدكتور راتب :
يقول المؤمن : لم أرَ شراً قط .
المذيع :
هذا في الخير وفي الشر .
الدكتور راتب :
والآخر يقول : لم أرَ خيراً قط ، قد يكون ملياردير ، وعنده بكل مدينة قصر ، وعنده باخرة ، ويخت خاص ، وطائرة خاصة ، كل شيء عنده ، يقول : لم أرَ خيراً قط .
المذيع :
هل خوف الإنسان من الموت علامة فطرة طبيعية أم ضعف إيمان ؟
الدكتور راتب :
لا ، وضع صحي تماماً .
المذيع :
الناس تخاف الموت .
الدكتور راتب :
لأن الله عز وجل كان من الممكن أن يأتي بنا إلى الدنيا دفعة واحدة ، وأن نغادرها دفعة واحدة ، إذاً لا يتعظ أحدنا بالآخر ، شاءت حكمة الله أن نأتيها تباعاً ، وأن نغادرها تباعاً ، ليتعظ بعضنا ببعض .
المذيع :
كيف يكون ذلك الاتعاظ دكتور ؟
الدكتور راتب :
أحدهم اشترى فندقاً في فرنسا من ثمانين طابقاً ، ممتلئ دائماً ، دفع ثمنه مبلغاً فلكياً، من أغنياء سوريا ، ثمانون طابقاً في فرنسا بباريس ، بعد ثلاثة أيام وافته المنية ، انتهى ، الموت ينهي كل شيء .
المذيع :
وهذا يكون عبرة للأحياء .
الموت ينهي كل شيء :
الدكتور راتب :
ينهي قوة القوي وضعف الضعيف ، ينهي غنى الغني وفقر الفقير ، ينهي صحة الصحيح ومرض المريض ، وينهي وسامة الوسيم ودمامة الدميم ، الموت ينهي كل شيء .
المذيع :
دكتور ، كل الأمثلة التي تضربها حضرتك للذي عنده طائرة خاصة ، والذي عنده فندق ، نريد أمثلة من واقعنا ، من حياتنا الصعبة التي نعيشها .
الدكتور راتب :
سيغادر إلى القبر .
المذيع :
دكتورنا الفاضل إذاً الشعور الفطري بالخوف من الموت هذا لا يدل على ضعف الإيمان ؟
الدكتور راتب :
طبيعي .
المذيع :
الإنسان يخاف من الموت وما يؤدي إلى الموت .
الدكتور راتب :
النفس البشرية تعتريها مشاعر ، بالوضع الطبيعي مقبولة ، كلها مع الصحة النفسية.
درسنا في الجامعة كتاباً عن الصحة النفسية ، يوجد ثلاثمئة مرض نفسي ، تقرأه تتوهم أن الأمراض كلها معك ، كل إنسان معه كل الأمراض لكن بحالة مخففة بسيطة ، المرض الحقيقي حالة متضخمة جداً .
المذيع :
الله يفتح عليكم يا دكتور . نسأل الله عز وجل في هذا المجلس أن يكون مجلس علم وإيمان تحفه الملائكة ويكون أجره ، ونوره ، وبركته شاملة للجميع . فلسفة الموت هو حديثنا ، دكتور لماذا كان الموت ؟
المخلوقات خلقوا جميعاً كنفوس في عالم الأزل :
الدكتور راتب :
شاءت حكمة الله أن يخلق المخلوقات جميعاً من دون استثناء في عالم الأزل ، على شكل نفوس لاعلى شكل صور ، فالمخلوقات كلها الجماد ، والنبات ، والحيوان ، والإنسان خلقوا جميعاً كنفوس في عالم الأزل . يوجد في الكون جماد ، صخر ، ماء ، غاز ، فلزات ، معادن ، حديد ، أشباه معادن وغيرها ، وأنواع نباتات بالمليارات ، وحيوانات ، وإنسان ، هؤلاء المخلوقات على شكل نفوس خلقوا في عالم الأزل ، تأتي الآية فتقول :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
الإنسان في عالم الأزل قبل حمل الأمانة ، كيف ؟ أب عنده عشرة أولاد ، وملياردير، أمن لكل ولد بيتاً ، وسيارة ، ومئة ألف بكل شهر ، لكنه قال لهم : إذا أرسلت أحدكم إلى أمريكا وأحضر لي دكتوراه بإدارة الأعمال ، سأسلمه المعمل وأعطيه نصفه ، اختلف الوضع ، وإذا لم يحضر الدكتوراه ، لن يأخذ قرشاً مني ، لا يوجد حل وسط .
ركب الملك من عقل بلا شهوة ، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، والدليل :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾
الإنسان أرقى مخلوق إذا عرف الله ، وكل الكائنات لا تعذب ، الله أعطاها فطرة وهي الأمانة ما حملتها ، ليس عندها معصية الحيوانات ، والنباتات ، وكل شيء .
المذيع :
سبحان الله رب العالمين . دكتور ما الرابط بين الموت وبين الإيمان ؟
الدكتور راتب :
الموت قدر كل إنسان ، مؤمن أو كافر ، لكن المؤمن استعد له ، والآخر ما استعد له.
المذيع :
هل يفترض أن يزيد الموت من إيمان الإنسان ؟
الدكتور راتب :
طبعاً .
المذيع :
كيف يكون ذلك دكتور ؟
الحكمة من إخفاء تفاصيل الموت عن الإنسان :
الدكتور راتب :
النبي تمنى علينا أن نتفكر بالموت ، أنت تعيش في بيت أربعمئة متر ، ويوجد على بابك ثلاث سيارات ، في لحظة من اللحظات أنت تدخل إلى البيت قائماً ، وتخرج قائماً ، ثمانين سنة ، لكن في ساعة واحدة ستخرج من بيتك بشكل أفقي ، هذا الخروج لا عودة بعده .
في بعض البلاد النفطية ، إذا إنسان مقيم في بلد عربي ، وعنده عمل في هذا البلد ، ودخله كبير جداً ، إذا كتبوا على جوازه خروج دون عودة يرجف قلبه . ونحن جميعاً بلا استثناء عندنا على جواز سفرنا خروج بلا عودة ، وهو الموت .
المذيع :
يخرج إلى أين دكتور ؟
الدكتور راتب :
إلى الآخرة ، الآخرة إما جنة أو نار .
(( فوالذي نفس محمد بيده ما الدنيا من دار إلا الجنة أو النار))
المذيع :
لماذا أخفى الله عنا تفاصيل الموت ؟ متى أموت ، أين سأموت ، كيف سأموت ؟
الدكتور راتب :
رحمة بنا ، لو علم الإنسان طريقة موته يعيش حياة كلها شقاء .
المذيع :
بتوتر ، كمن يعلم مثلاً أنه يعاني من مرض صحي أو غيره ، موعد الموت لماذا أخفي عنا ؟ ألا يستعد الإنسان لو عرف أنه سيموت بعد شهرين ؟
الدكتور راتب :
بالعكس لو أعلمه متى يموت ينهار قبل يومه ، هو لا يعرف متى يموت ، بلمحة يموت .
المذيع :
وبالتالي قد أموت أنا غير تائب .
المؤمن يعمل الصالحات وهو على فراش الموت :
الدكتور راتب :
لو أنه عرف متى يموت لا يتوب ، حتى قبل الموت بجمعة يتوب ، قد يفاجأ بعد ساعة يموت . أنا في حياتي الدعوية عندي مئة حالة موت مفاجئ ، صلى فينا إمام الظهر ، عند العصر صلينا عليه في الجامع ، لا يشكو من شيء ، عندي حالات لا يشكو من شيء .
مرة كنت أجلس مع شخص ، هذا الشخص حدثني عن مشاريعه ، هو مدرس فلسفة ، وكان زميلي في التعليم ، قال لي : أنا قدمت طلباً للجزائر ، ووافقوا على الطلب ، سأذهب إعارة إلى الجزائر ، في الإعارة الراتب مضاعف ، قال لي : أمضي خمس سنوات ، بين كل سنتين عطلة صيفية ، قال لي : لا آتي إلى الشام ، امضي صيفية في فرنسا ، والثانية في بريطانيا ، وإيطاليا ، وإسبانيا ، أرى معالم الحياة ، الآثار ، نمط الحياة ، وعندما أعود سيكون معي بعض المال ، سأشتري محلاً وأبيع فيه فازات ، قال لي : هذه لا علاقة لها بالتموين ، وأرباحها بالمئة مئة ، وأولادي يستلموه مساءً وأنا صباحاً فقط ، والله تحدث عن تفاصيل أقسم لك بالله كل جزء ذكره ، فأنا قاله لي الظهر ، كنت أنا وإياه مدرسَين في مدرسة خاصة . مساءً كان عندي دورة تدريسية سألقي درساً فيها في أحد أحياء دمشق في مركز المدينة ، وأعود إلى بيتي مشياً لأن المسافة ليست بعيدة ، بيتي في العفيف ، نظرت فإذا بي أجد نعوته ، والله خطط لعشرين سنة قادمة ، خمس سنوات في الجزائر ، وكل صيفية واحدة بفرنسا ، وواحدة في بريطانيا ، نفس اليوم، أستاذ فلسفة ، وذكي جداً .
المذيع :
والهدف من هذا أن تكون توبتي مباشرة ، دائماً مع الله حينما تأتي مفاجأة الموت أكون مستعداً لها . هل من الخطأ أن يخطط الإنسان لحياته دكتور ، طالما الموت قادم ، لماذا نتعب ونعمل ما نحن ميتين ؟
الدكتور راتب :
لا ، لا ، هذا موضوع ثان ، المؤمن معه رسالة سيدي .
((إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة؛ النخلة الصغيرة ، فليغرسها))
هذا توجيه النبي الكريم ، المشكلة أن الناس يعيشون لحظاتهم ، يعيشون لمتعتهم ، المؤمن معه رسالة ، حياته لها معنى كبير جداً ، حياته من أجل كسب مكانه في الآخرة ، كسب كبير جداً ، فالمؤمن يعمل الصالحات وهو على فراش الموت .
عندنا عالم كبير في الشام ، بلغ من العمر مئة وسنتين ، كان من حفاظ القرآن الكريم، وكان أستاذ القرآن الكريم ، قبل وفاته بيوم واحد ، عشرة طلاب استقبلهم في بيته علمهم القرآن ، عمره مئة وسنتين .
المذيع :
سبحان الله رب العالمين! دكتور ، إذاً يبعث الإنسان على ما مات عليه ، كما ورد في نهج النبي عليه الصلاة والسلام .
النطق بالشهادة يلخص حياة الإنسان كلها :
الدكتور راتب :
لا ، يموت على ما عاش عليه ، ويبعث على ما مات عليه .
المذيع :
نوضحها دكتور .
الدكتور راتب :
إنسان أمضى كل حياته في الشهوات ، غير معقول ، موتته تلخص حياته السابقة . أذكر أن إنساناً ادعى النبوة في شرق آسيا ، غلام محمد ، وقال : أنا سأموت في أبهى حالة ، مات في المرحاض ، غلام أحمد اسمه ، ادعى الألوهية .
المذيع :
إذاً حسب ما يسير عليه الإنسان في الحياة ربنا ييسر له أن يموت عليه .
الدكتور راتب :
أنا أقول موت الإنسان ، طريقة موته تلخص حياته كلها .
المذيع :
إذاً دكتور ، هذا قد يفسر قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( من كان آخرُ كلامه : لا إله إلا الله دخلَ الجنة ))
لوهلة يقول الإنسان : افعل ما تشاء وقبل الوفاة انطق بالشهادتين فتضمن الجنة ، لكن القضية مختلفة دكتور .
الدكتور راتب :
أنا لي قريب كان في محكمة ميدانية ، أُعدم أمامه أربعة وستون شخصاً ، كلهم كانوا مجرمين ، طبعاً قبل الإعدام بدقيقة قالوا له : قل لا إله إلا الله ، لم يقل ، لم يقلها إطلاقاً .
المذيع :
ما الذي يمنعه دكتور ؟
الدكتور راتب :
النطق بالشهادة ليست بالشيء السهل ، هذه الشهادة تلخص حياته كلها ، لا يستطيع أن يقولها إلا إنسان عاش عليها .
المذيع :
يعني هو يريد أن ينطقها ، لكن وكأن الله يربط على لسانه فيحرم من ذلك ، حتى لا يستحق الرحمة .
من ينطق بالشهادة بشكل واضح فهذا مؤشر طيب :
الدكتور راتب :
عندما ينطق الإنسان بالشهادة بشكل واضح مؤشر طيب .
المذيع :
وكأن الفكرة في آخر لحظات حياة الإنسان يفقد السيطرة ، فإما الله يطلق لسانه لعلها علامة خير أهلته لهذا الإكرام .
الدكتور راتب :
أحد أقربائي المقربين جداً كان في محكمة ميدانية أُعدم أمامه أربعة وستون شخصاً ، لا أحد منهم قال الشهادة .
المذيع :
سبحان الله رب العالمين .
(( من كان آخرُ كلامه : لا إله إلا الله دخلَ الجنة ))
الدكتور راتب :
يوجد حاكم أعدم نطق بها ثلاث مرات بأوضح ما يكون ، أيضاً هذه مؤشر طيب إن شاء الله .
المذيع :
لكن لا يستطيع الإنسان أن يجزم دكتور ، هو مؤشر ويبقى الحكم الأخير عند الله سبحانه وتعالى دائماً وأبداً . إذاً :
(( من كان آخرُ كلامه : لا إله إلا الله دخلَ الجنة ))
وهي تأتي تتويجاً لما كان عليه عمله في السابق .
الدكتور راتب :
لخصت حياته كلها .
المذيع :
وبعد الموت يبعث الإنسان على ما يموت عليه ، من مات على طاعة .
الموت يلخص حياة الإنسان :
الدكتور راتب :
يموت على ما عاش عليه ، ويبعث على ما مات عليه .
المذيع :
الأولى أوضحتها دكتور ، الثانية ويبعث على ما مات عليه .
الدكتور راتب :
يموت على ما عاش عليه . مثلاً عندنا عالم جليل في الشام ، خطيب جامع الأموي كنت أنا وإياه في تعزية ، سلمت عليه ، خرج من بيته أخ لا يعرف اسمه ، لكن وجده عالم جليل جبة وعمة ، قال له : هل تحب أن أوصلك سيدي ؟ قال له : الله يرضى عليك ، أوصله ، كان مكان التعزية في المهاجرين ، أوصله لبيته في ركن الدين ، هذا العالم صعد إلى بيته في الطابق الرابع ، دخل إلى بيته ، خلع العمة ، خلع الجبة ، واستلقى على السرير ومات .
المذيع :
تتحدث عن العالم ؟
الدكتور راتب :
عن العالم ، لو أن هذا الشخص ما أخذه لمات هذا العالم في الطريق ، سيأخذونه إلى المستشفى ، إلى البراد ، مكانته كبيرة ، شخص من أخواني ، لا يعرفه من هو ، لكنه وجد شخصاً يرتدي جبة وعمامة فأحب أن يكرمه ، قال له : هل تسمح لي أن أوصلك ؟ قال له : الله يرضى عليك يا ابني ، وصل لبيته أربع طوابق ، دخل لغرفة النوم ، خلع الجبة والعمامة ، واستلقى على الفراش ومات ، ابنه رئيس الائتلاف السوري .
المذيع :
سبحان الله! إذاً دكتورنا الفاضل هذا جزء من عدل الله ، ما سرت عليه في الدنيا الله يكرمك عند الموت .
الدكتور راتب :
الموت يلخص لك حياتك .
المذيع :
حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( يُبْعثُ كل عبد على ما مات عليه ))
لو إنسان مثلاً مات ملبياً ، أو مات في صلاته .
من حكم الله الموت المفاجئ :
الدكتور راتب :
يبعث هكذا .
المذيع :
هذه علامة إكرام ، مات على طاعة ، ولو إنسان والعياذ بالله مات وهو في معصية ، أو ربا ، أو زنا .
الدكتور راتب :
مستحيل ينطق الشهادة .
المذيع :
ويفضح يوم القيامة بهذه المعصية التي قبض عليها ، وإخفاء الموت ، وبالتالي إنسان يخشى من أي معصية أن يموت عليها ، فيفضح أولاً عند الله ، وثانياً بين الخلائق يوم القيامة على ما مات عليه .
الدكتور راتب :
من حكم الله الموت المفاجئ ، في ثانية سكتة دماغية ، سكتة قلبية ، أنا عندي في حياتي الدعوية ما يقارب الخمسين حالة ، لا يشكو من شيء ، بثانية فقد الحياة .
المذيع :
ألم يستعذ النبي عليه الصلاة والسلام من موت الفجأة دكتور ؟
الدكتور راتب :
هو للكافر أخذة أسف له .
المذيع :
ما المقصود بهذا دكتور ؟
موت الفجأة للمؤمن رحمة وللكافر أخذة أسف :
الدكتور راتب :
مات مقيماً على معصية ، إنسان شارب خمر ، مدمن خمر ، ذهب إلى الحج ورجع تائباً ، أما أصدقاؤه ما تركهم ، كلهم يشربون الخمر ، فلما رجع من الحج سهر معهم سهرة وزعوا فيها الخمر ، قال : أنا تائب ، قال له أحدهم : كم كلفتك الحجة ؟
خمسون ألفاً ؟ هذه خمسون ألفاً ، اشرب ، شرب بعد عدة ساعات توفى ، مات شارب خمر .
المذيع :
والله شيء مؤلم ، وشيء فظيع ، كيف نربط بين استعاذة النبي عليه الصلاة والسلام من موت الفجأة أو موت الفغلة ؟
الدكتور راتب :
هي للمؤمن ليست عذاباً ، للكافر أخذة أسف ، لحكمة بالغة .
المذيع :
فإذاً أحياناً يرحم الإنسان بدل من أن يعيش في عذاب ، أو في مرض يكون أمر الله سبحانه وتعالى في قبض روحه سريعاً .
الدكتور راتب :
الناس لهم دعاء أنه : كموت النبي الكريم ثلاثة أيام ، ثلاثة أيام حل وسط ، جهز نفسه ثلاثة أيام ووافته المنية . أنا والدي عاش سبعاً وثمانين سنة ، ثلاثة أيام كان متوفياً ، ما كان يشكو من شيء إطلاقاً ، ثلاثة أيام غادر الدنيا .
المذيع :
سبحان الله رب العالمين ، ربنا يرحمه ويحسن إلينا جميعاً ، وأموات المسلمين جميعاً، هل لنا أن نختم هذه الحلقة بالدعاء ، ونحن سنكمل في فلسفة الموت في الجزء الثاني .
الدعاء :
الدكتور راتب :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي في معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، اجعل هذا الجمع جمعاً مباركاً مرحوماً ، احقن دماء المسلمين في كل مكان ، واحقن دماءهم في الشام ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين .
خاتمة و توديع :
المذيع :
الحمد لله رب العالمين ، بارك الله بكم فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي لهذه الكلمات الطيبة ، باسم الله العظيم ، رب العرش العظيم أن يكرمكم فيها في الدنيا والآخرة يا دكتور .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته